سورة يوسف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{ياصاحبى السجن} يا ساكني السجن كقوله {أصحاب النار} [البقرة: 39] و{أصحاب الجنة} [البقرة: 82] {أأرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار} يريد التفرق في العدد والتكاثر أي أن تكون أرباب شتى يستعبدكما هذا ويستعبدكما هذا خير لكما أم يكون لكما رب واحد قهار لا يغالب ولا يشارك في الربوبية؟ وهذا مثل ضربه لعبادة الله وحده ولعبادة الأصنام {مَا تَعْبُدُونَ} خطاب لهما ولمن كان على دينهما من أهل مصر {مِن دُونِهِ} من دون الله {إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} أي سميتم مالا يستحق الإلهية آلهة ثم طفقتم تعبدونها فكأنكم لا تعبدون إلا أسماء لا مسميات لها، ومعنى {سميتموها} سميتم بها يقال: سميته زيداً وسميته يزيد {مَّا أَنزَلَ الله بِهَا} بتسميتها {مّن سلطان} حجة {إِنِ الحكم} في أمر العبادة والدين {إلاَ لِلَّهِ} ثم بين ما حكم به فقال: {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذلك الدين القيم} الثابت الذي دلت عليه البراهين {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} وهذا يدل على أن العقوبة تلزم العبد وإن جهل إذا أمكن له العلم بطريقه.
ثم عبر الرؤيا فقال: {ياصاحبى السجن أَمَّا أَحَدُكُمَا} يريد الشرابي {فَيَسْقِى رَبَّهُ} سيده {خَمْرًا} أي يعود إلى عمله {وَأَمَّا الآخر} أي الخباز {فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطير مِن رَّأْسِهِ} روي أنه قال للأول: ما رأيت من الكرمة وحسنها هو الملك وحسن حالك عنده، وأما القضبان الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تمضي في السجن ثم تخرج وتعود إلى ما كنت عليه. وقال للثاني: ما رأيت من السلال ثلاثة أيام ثم تخرج فتقتل. ولما سمع الخباز صلبه قال: ما رأيت شيئاً فقال يوسف {قُضِىَ الأمر الذى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} أي قطع وتم ما تستفتيان فيه من أمركما وشأنكما أي ما يجر إليه من العاقبة وهي هلاك أحدهما ونجاة الآخر.


{وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا} الظان هو يوسف عليه السلام إن كان تأويله بطريق الاجتهاد، وإن كان بطريق الوحي فالظان هو الشرابي أو يكون الظن بمعنى اليقين {اذكرنى عِندَ رَبّكَ} صفني عند الملك بصفتي وقص عليه قصتي لعله يرحمني ويخلصني من هذه الورطة {فَأَنْسَاهُ الشيطان} فأنسى الشرابي {ذِكْرَ رَبّهِ} أن يذكره لربه أو عند ربه، أو فأنسى يوسف ذكر الله حين وكل أمره إلى غيره، وفي الحديث: «رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك لما لبث في السجن سبعاً» {فَلَبِثَ فِى السجن بِضْعَ سِنِينَ} أي سبعاً عند الجمهور والبضع ما بين الثلاث إلى التسع.
{وَقَالَ الملك إِنّى أرى سَبْعَ بقرات سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سنبلات خُضْرٍ وَأُخَرَ يابسات} لما دنا فرج يوسف رأى ملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته، رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان، ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبعاً أخر يابسات قد استحصدت وأدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها. فاستعبرها فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها. وقيل: كان ابتداء بلاء يوسف في الرؤيا ثم كان سبب نجاته أيضاً الرؤيا. سمان جمع سمين وسمينة، والعجاف: المهازيل والعجف الهزال الذي ليس بعده سمانة، والسبب في وقوع عجاف جمعاً لعجفاء وأفعل وفعلاء لا يجمعان على فعال حمله على نقيضه وهو سمان، ومن دأبهم حمل النظير على النظير والنقيض على النقيض. وفي الآية دلالة على أن السنبلات اليابسة كانت سبعاً كالخضر لأن الكلام مبني على انصبابه إلى هذا العدد في البقرات السمان والعجاف والسنابل الخضر فوجب أن يتناول معنى الأخر السبع ويكون قوله {وآخر يابسات} بمعنى وسبعاً أخر {ياأيها الملأ} كأنه أراد الأعيان من العلماء والحكماء.
{أَفْتُونِى فِى رؤياى إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} اللام في {للرؤيا} للبيان، كقوله {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين} أو لأن المفعول به إذا تقدم على الفعل لم يكن في قوته على العمل فيه مثله إذا تأخر عنه فعضد بها، تقول: عبرت الرؤيا وللرؤيا عبرت، أو يكون {للرؤيا} خبر (كان) كقولك (كان فلان لهذا الأمر) إذا كان مستقلاً به متمكناً منه، و{تعبرون} خبر آخر أو حال. وحقيقة عبرت الرؤيا ذكرت عاقبتها وآخر أمرها كما تقول (عبرت النهر) إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه وهو عبره ونحوه (أولت الرؤيا) إذا ذكرت مآلها وهو مرجعها. وعبرت الرؤيا بالتخفيف هو الذي اعتمده الأثبات ورأيتهم ينكرون عبرت بالتشديد والتعبير والمعبر.


{قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ} أي هي أضغاث أحلام أي تخاليطها وأباطيلها وما يكون منها من حديث نفس أو وسوسة شيطان. وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات وحزم من أنواع الحشيش، الواحد ضغث فاستعيرت لذلك، والإضافة بمعنى من أي أضغاث من أحلام. وإنما جمع وهو حلم واحد تزايداً في وصف الحلم بالبطلان، وجاز أن يكون قد قص عليهم مع هذه الرؤيا رؤيا غيرها {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بعالمين} أرادوا بالأحلام المنامات الباطلة، فقالوا: ليس لها عندنا تأويل إنما التأويل للمنامات الصحيحة أو اعترفوا بقصور علمهم وأنهم ليسوا في تأويل الأحلام بخابرين.
{وَقَالَ الذى نَجَا} من القتل {مِنْهُمَا} من صاحبي السجن {وادكر} بالدال هو الفصيح وأصله (اذتكر) فأبدلت الذال دالاً والتاء دالاً وأدغمت الأولى في الثانية ليتقارب الحرفين. وعن الحسن: {واذكر} ووجهه أنه قلب التاء ذالاً وأدغم أي تذكر يوسف وما شاهد منه {بَعْدَ أُمَّةٍ} بعد مدة طويلة وذلك أنه حين استفتى الملك في رؤياه وأعضل على الملك تأويلها تذكر الناجي يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه وطلبه إليه أن يذكره عندالملك {أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} أنا أخبركم به عمن عنده علمه {فَأَرْسِلُونِ} وبالياء يعقوب أي فابعثوني إليه لأسأله فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال:

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9